دراسات إسلامية

 

العشر الأواخر من رمضان

 

 

بقلم : أ.د/ طه عبد السلام خضير

  

 

  

 

 

       لقد حظى شهر رمضان بتفضيل الله له على غيره من سائر شهور العام، إذ بارك أيامه ولياليه وأفاض فيها الكثير من الخير والبرّ وتنزل الرحمة، وضاعف فيها المثوبة والأجر وجعلها موسمًا للعبادة، يتنافس فيها المجدون المخلصون، وخص العشر الأواخر من أيامه ولياليه بمزيد من الفضل ترغيبًا في إحياء هذه الليالي المباركة والإكثار فيها من التقرب إلى الله بالذكر والصلاة وقراءة القرآن، وما إلى ذلك من ألوان العبادات والخيرات .

       ولقد كان رسول الله يبدى اهتمامًا للعشر الأواخر من رمضان أكثر مما يبديه في أيام أخر؛ وذلك لأن العشر الأواخر من رمضان هي مظنة ليلة القدر، وليلة القدر قد شرّفها الله تعالى بنزول القرآن الكريم فيها وجعل لها سورةً باسمها في الكتاب الكريم وجعلها خيرًا من ألف شهر كما قال سبحانه ﴿ إِنَّا أَنْـزَلْنَـاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَـةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾(القدر: الآيات 1-3) وحق لليلة نالت هذا الشرف أن يحتفى بها رسول الله وأن تحتفى بها أمته؛ لأنه قدوتها والأسوة التي يجب علينا أن نتبعها: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ﴾ (الأحزاب: آية 21) ومن مظاهر الحفاوة بالعشر الأواخر من رمضان أن رسول الله كان يعتكف فيها من كل عام ويحثّ أهله على الاعتكاف والقيام والذكر والصلاة وقراءة القرآن فيها تعليمًا لأمتــه حتـــى يسيـــروا على منواله. وقد جاءت الأحـــاديث تؤكـــد هـذا النهج لرسول الله ؛ فقد روى عن السيدة عائشة – رضي الله عنها – قالت: «كان النبي إذا دخل العشر شــد مئـــزره وأحيا ليلـه وأيقظ أهله» ومعنى شد مئزره: الجد والتشمير في العبادة، وقالت أيضًا : كان رسول الله يجتهد في العشر الأواخــر ما لا يجتهـد في غيـرها، وكان يعتكف العشر الأواخـــر من رمضان حتى قبضه الله عز وجل وكذلك كانت زوجاته – رضوان الله عليهن – من بعـــده . فطــوبى وهنيئا لمن ختم هــذه الأيام المبــاركة والليالي الطيبة الكريمة بألوان الــذكر والصــلاة وقراءة القرآن، وطوبى لمن اتخــذ القــرآن جليسَه ، وسعد به أنيسه، فشغل به قلبــه، وأحيا به ليله ولاسيما ليالي رمضان اقتداءً برسول الله فقد كان ينـزل إليه جبريل في كل ليلة من ليالي رمضان فيدارسه القرآن – وما أعظم القـــرآن – ما قــــرأه مؤمن موقن بكل ما فيـــه ، متدبــرًا لآياته ومعانيــه إلا أفاض الله عليه الكثيرَ من بركاته ونفحاته ، فإذا كان جائعَ الروح غذاه، وإذا كان ظمآن روّاه ، وإذا كان مريضًا شفاه، وإذا كان محزونا عزاه، وإذا كان خائفًا طمأنه ونجاه، وإذا كان ضعيف الإيمان قواه، وإذا كان حائرًا قلقًا أرشده وهداه، وإذا كان بعيدًا من ربّه قربه وأدناه، هو طبّ القلوب، وغذاء الأرواح، هو الكتاب الذي يغني عن كل كتاب ولا يغني عنه أيّ كتاب .

الله أكبر إنَّ دين محمد

وكتابه أقوى وأقوم قيلاً

لا تذكروا الكتب السوالف عنده

طلع الصباح فأطفئوا القنديلاَ

الجوائز والمكافآت

       ولقد وعد الله من صام رمضان وقام لياليه بجوائز سخية يقبضها الصائمون في عيد فطرهم فرحين مستبشرين؛ فقد جاء في حديث ذكره صاحب الترغيب والترهيب في كتابه عن رسول الله وفيه: «فإذا كانت ليلة الفطر سميت تلك الليلة ليلة الجــائـــزة، فإذا كانت غداة الفطر بعث الله عز وجل الملائكـــة في كل البـلاد، فيهبطون إلى الأرض ، فيقومــون على أفواه السكك، فينادون بصــوت يسمع من خلــق الله عز وجل إلا الإنس والجن، فيقولون: يا أمة محمد اُخرجوا إلى رب كريم يعطى الجزيل ويعفو عن العظيم. فإذا برزوا إلى مصلاهم يقول الله – عز وجل – للملائكة: ما جزاء الأجير إذا عمل عمله؟ فتقول الملائكة: إلهنا وسيدنا: جزاؤه أن توفيه أجره. فيقول: فإني أشهدكم ياملائكتي أني قد جعلت ثوابهم من صيامهم شهر رمضان وقيامهم مرضاي ومغفرتي. ويقول: يا عبادي سلوني فو عزتي وجلالي لا تسألونّي اليوم شيئًا في جمعكم لآخرتكم إلا أعطيتكم إياه ولا لدنياكم إلانظرت لكم؛ فوعزتي لأسترن عليكم عثراتكم ما راقبتموني، وعزتي لا أخزيكم ولا أفضحكم بين أصحاب الحدود وانصرفوا مغفورًا لكم فقد أرضيتموني ورضيت عنكم. فتفرح الملائكة وتستبشر بما يعطى الله – عز وجل – هذه الأمة إذا أفطروا من شهر رمضان» رواه ابن حبان والبيهقي .

آداب عيد الفظر :

       وللعيد آداب ينبغي أن يتحلّى بها المسلمون؛ فعلى المسلم في ظلال فرحة العيد أن يكون نظيف الظاهر والباطن وأن يتحلّى بجميل الثياب والطيب، ويستحب إفشاء السلام والتزاور وتناسى الكراهية والبغضاء وتبادل التهاني بالعيد والتصافح والتعاطف، ويستحب كذلك مواساة المنكوبين والتوسعة على الفقراء والمحتاجين لقوله : «أغنوهم عن السؤال في ذلك اليوم»، لتعم الفرحة والسرور جميعَ المسلمين ولا بأس بالمزاح النظيف واللهو المباح؛ فمن سماحة الإسلام أنه لا يصادر مباهج الحياة ولا يحرم التمتع بالطيبات مالم يكن إثمًا أو فجورًا ؛ فعن عائشة – رضي الله عنها – أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان تغنيان في أيام منى وتضربان بالدفوف ورسول الله مسجَّى بثوبه ؛ فانتهرهما أبوبكر رضي الله عنه ؛ فكشف عن وجهه ، وقال: «دعهما يا أبابكر؛ فإنها أيام عيد»، وفي رواية أخرى: «إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا»، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: آية 184) وليحذر المسلمون بعامة والشباب بخاصة من استغلال أيام العيد في الخروج عن ما يرضى الله – عز وجل – من فجور وعصيان بحجة أنهم في عيد .

سنن العيد :

       وللعيد سنن يجب أن يراعيها المسلم ويعمل على إقامتها وهي:

       1- إحياء ليلة العيد لقوله : «من قام ليلة العيد محتسبًا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» رواه ابن ماجة .

       2- التكبير: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «زينوا أعيادكم بالتكبير» وقال تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: آية 184) وللتكبير صيغ متعددة كلها جائزة وأرجحها : الله أكبر الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلاّ الله ، والله أكبر.. الله أكبر.. ولله الحمد» ويبدأ التكبير في عيد الفطر من غروب شمس آخر يوم في رمضان إلى دخول الإمام في صلاة العيد. وأما في عيد الأضحى فيبدأ التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد .

       3- الاغتسال: وهو سنة مؤكدة ويبدأ وقته من النصف الثاني من ليلة العيد وينتهي بغروب شمس يوم العيد ؛ فإذا اغتسل في أي وقت من اليوم الأول ، صح غسله وعمل بالسنة .

       4- صلاة العيد : وهي من السنن المؤكدة ويستحب أن يصليها المسلم في جماعة لتعم الفرحة والبهجة بالتلاقي ويبدأ وقت صلاة العيد بمضى عشرين دقيقة تقريبًا بعد طلوع الشمس ، ويستحب التأخير قليلاً في صلاة عيد الفطر لإعطاء الفرصة لمن لم يتمكن من إخراج زكاته ؛ ليخرجها قبل الصلاة ؛ فإن لم تتيسر صلاته في جماعة صلاها منفردًا وهي سنة للرجال والنساء على السواء . وينتهي وقتها بزوال شمس ذلك اليوم – قبيل وقت وجوب الظهر – .

       5- كراهية زيارة المقابر في ذلك اليوم ؛ فإنها بدعة سيئة . وما شرعت الأعياد إلا لتناسى الآلام وإشاعة البهجة والسرور .

       وبعد: فتهنئة من القلب طيبة إلى جميع المسلمين في كل أقطار المعمورة راجين أن يعيده الله وأمثاله عليهم وقد توحّدت كلمتهم ، وتآلفت قلوبهم ، وانتصروا على أعدائهم .

*  *  *

*  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان – شوال 1428هـ = سبتمبر – نوفمبر 2007م ، العـدد : 9–10 ، السنـة : 31.